تشهد إيران منذ سنوات تقلبات حادة في أسعار العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأمريكي واليورو، مما أثّر بشكل مباشر على حياة المواطنين وسوق السلع والخدمات. يتساءل الكثيرون عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الارتفاع والانخفاض المفاجئ في قيمة الريال الإيراني، وما العوامل الاقتصادية والسياسية التي تقف وراء هذه الظاهرة المستمرة.
أولاً: تأثير العقوبات الاقتصادية على الاقتصاد الإيراني
تُعتبر العقوبات الأمريكية والدولية أحد أبرز الأسباب في تقلب أسعار العملات داخل إيران. هذه العقوبات أدت إلى تقييد صادرات النفط الإيراني وتقليل العائدات من العملة الصعبة، مما خلق نقصاً في الدولار داخل السوق المحلي.
كما أن القيود على التعاملات البنكية الدولية زادت من صعوبة تحويل الأموال إلى الداخل الإيراني، وهو ما دفع المستثمرين والمواطنين إلى التوجه نحو السوق السوداء لتأمين احتياجاتهم من العملة الأجنبية.
ثانياً: التضخم وارتفاع الأسعار داخل البلاد
تُعاني إيران من معدل تضخم مرتفع نتيجة زيادة طباعة النقود دون غطاء إنتاجي كافٍ. هذا التضخم يُضعف القوة الشرائية للريال الإيراني، ويزيد من الطلب على الدولار واليورو كوسيلة لحفظ القيمة. كلما زاد التضخم، زادت وتيرة التغير في سعر الصرف.
ثالثاً: سياسات البنك المركزي الإيراني
يحاول البنك المركزي الإيراني السيطرة على تقلبات الأسعار عبر ضخ العملات الأجنبية في السوق وتحديد سعر صرف رسمي. لكن الفرق الكبير بين السعر الرسمي وسعر السوق الحر يخلق فجوة كبيرة تشجع على المضاربة.
كما أن نقص الشفافية في السياسات النقدية وعدم وجود سوق صرف موحد يُسهمان في زيادة حالة عدم الاستقرار.
رابعاً: العوامل السياسية والأحداث الإقليمية
أي توتر سياسي أو أمني في المنطقة يؤثر مباشرة على ثقة المستثمرين في الاقتصاد الإيراني. فعند تصاعد التوترات، يتجه المواطنون والتجار إلى شراء الدولار كملاذ آمن، مما يؤدي إلى ارتفاع سعره بشكل حاد.
كذلك فإن أي مفاوضات نووية أو قرارات سياسية يمكن أن تسبب تقلباً فورياً في سوق العملات.
خامساً: السوق السوداء ودورها في تحديد السعر
السوق غير الرسمية أو ما يُعرف بـ السوق السوداء تلعب دوراً أساسياً في تحديد سعر الصرف الحقيقي. في ظل القيود الحكومية على تداول العملات، يعتمد كثير من الإيرانيين على السوق الموازية، ما يجعل الأسعار عرضة للتأثر السريع بالإشاعات والأخبار الاقتصادية.
إن تقلب أسعار العملات في إيران ناتج عن مزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية والنفسية، أبرزها العقوبات، التضخم، ضعف الثقة بالعملة الوطنية، والسياسات النقدية غير المستقرة.
لتحقيق استقرار نسبي، تحتاج الحكومة إلى إصلاحات اقتصادية حقيقية، وتعزيز الشفافية في السوق، وربط سعر الصرف بالإنتاج الفعلي بدلاً من الاعتماد على المضاربات.